فصل: تفسير الآية رقم (38)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏مُّنِيبِينَ‏}‏ راجعين ‏{‏إِلَيْهِ‏}‏ تعالى بما أمر به ونهى عنه حال من فاعل ‏(‏أقم‏)‏ وما أريد به، أي أقيموا ‏{‏واتقوه‏}‏ خافوه ‏{‏وَأَقِيمُواْ الصلاة وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏مِنَ الذين‏}‏ بدل بإعادة الجار ‏{‏فَرَّقُواْ دِينَهُمْ‏}‏ باختلافهم فيما يعبدونه ‏{‏وَكَانُواْ شِيَعاً‏}‏ فِرَقاً في ذلك ‏{‏كُلُّ حِزْبٍ‏}‏ منهم ‏{‏بِمَا لَدَيْهِمْ‏}‏ عندهم ‏{‏فَرِحُونَ‏}‏ مسرورون، وفي قراءة «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أُمروا به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا مَسَّ الناس‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏ضُرٌّ‏}‏ شدّة ‏{‏دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ‏}‏ راجعين ‏{‏إِلَيْهِ‏}‏ دون غيره ‏{‏ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً‏}‏ بالمطر ‏{‏إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم‏}‏ أريد به التهديد ‏{‏فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏ عاقبة تمتعكم، فيه التفات عن الغيبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ‏}‏ بمعنى همزة الإِنكار ‏{‏أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا‏}‏ حجة وكتاباً ‏{‏فَهُوَ يَتَكَلَّمُ‏}‏ تكلم دلالة ‏{‏بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏ أي يأمرهم بالإِشراك‏؟‏ لا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا أَذَقْنَا الناس‏}‏ كفار مكة وغيرهم ‏{‏رَحْمَةً‏}‏ نعمة ‏{‏فَرِحُواْ بِهَا‏}‏ فرح بطر ‏{‏وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ‏}‏ شدّة ‏{‏بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ‏}‏ ييأسون من الرحمة ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ويرجو ربه عند الشدّة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْاْ‏}‏ يعلموا ‏{‏أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق‏}‏ يوسِّعه ‏{‏لِمَن يَشَاءُ‏}‏ امتحاناً ‏{‏وَيَقْدِرُ‏}‏ يضيّقه لمن يشاء ابتلاء ‏{‏إِنَّ فِى ذلك لأيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏فَئَاتِ ذَا القربى‏}‏ القرابة ‏{‏حَقَّهُ‏}‏ من البرّ والصِّلة ‏{‏والمسكين وابن السبيل‏}‏ المسافر من الصدقة، وأُمّة النبيّ تبع له في ذلك ‏{‏ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله‏}‏ أي ثوابه بما يعملون ‏{‏وأولئك هُمُ المفلحون‏}‏ الفائزون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِّن رِباً‏}‏ بأن يعطي شيئاً هبة أو هدية ليطلب أكثر منه، فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة ‏{‏لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ الناس‏}‏ المعطين، أي يزيد ‏{‏فَلاَ يَرْبُواْ‏}‏ يزكو ‏{‏عِندَ الله‏}‏ أي لا ثواب فيه للمعطين ‏{‏وَمَا ءَاتَيْتُمْ مّن زكواة‏}‏ صدقة ‏{‏تُرِيدُونَ‏}‏ بها ‏{‏وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون‏}‏ ثوابهم بما أرادوه، فيه التفات عن الخطاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏الله الذى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ‏}‏ ممن أشركتم بالله ‏{‏مَّن يَفْعَلُ مِن ذلكم مِّن شَئ‏}‏‏؟‏ لا ‏{‏سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏ظَهَرَ الفساد فِى البر‏}‏ أي القفار بقحط المطر وقلة النبات ‏{‏والبحر‏}‏ أي البلاد التي على الأنهار بقلة مائها ‏{‏بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس‏}‏ من المعاصي ‏{‏لِيُذِيقَهُمْ‏}‏ بالياء والنون ‏{‏بَعْضَ الذى عَمِلُواْ‏}‏ أي عقوبته ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ يتوبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لكفار مكة ‏{‏سِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ‏}‏ فأُهلكوا بإشراكهم ومساكنهم ومنازلهم خاوية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ القيم‏}‏ دين الإِسلام ‏{‏مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله‏}‏ هو يوم القيامة ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏}‏ فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد يتفرّقون بعد الحساب إلى الجنة والنار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ‏}‏ وبال كفره وهو النار ‏{‏وَمَنْ عَمِلَ صالحا فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ يوطئون منازلهم في الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏لِيَجْزِىَ‏}‏ متعلق بيصدعون ‏{‏الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ‏}‏ يثيبهم ‏{‏إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين‏}‏ أي يعاقبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته‏}‏ تعالى ‏{‏أَن يُرْسِلَ الرياح مبشرات‏}‏ بمعنى لتبشركم بالمطر ‏{‏وَلِيُذِيقَكُمْ‏}‏ بها ‏{‏مّن رَّحْمَتِهِ‏}‏ المطر والخصب ‏{‏وَلِتَجْرِىَ الفلك‏}‏ السفن بها ‏{‏بِأَمْرِهِ‏}‏ بإرادته ‏{‏وَلِتَبْتَغُواْ‏}‏ تطلبوا ‏{‏مِن فَضْلِهِ‏}‏ الرزق بالتجارة في البحر ‏{‏وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ هذه النعم يا أهل مكة فتوحّدونه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بالبينات‏}‏ بالحجج الواضحات على صدقهم في رسالتهم إليهم فكذبوهم ‏{‏فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ‏}‏ أهلكنا الذين كذبوهم ‏{‏وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين‏}‏ على الكافرين بإهلاكهم وإنجاء المؤمنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏الله الذى يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً‏}‏ تزعجه ‏{‏فَيَبْسُطُهُ فِى السماء كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ من قلة وكثرة ‏{‏وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً‏}‏ بفتح السين وسكونها قطعاً متفرقة ‏{‏فَتَرَى الودق‏}‏ المطر ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ‏}‏ أي وسطه ‏{‏فَإِذَا أَصَابَ بِهِ‏}‏ بالودق ‏{‏مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏}‏ يفرحون بالمطر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن‏}‏ وقد ‏{‏كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ‏}‏ تأكيد ‏{‏لَمُبْلِسِينَ‏}‏ آيسين من إنزاله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏فانظر إلى ءاثار‏}‏ وفي قراءة أثر ‏{‏رَحْمَتِ الله‏}‏ أي نعمته بالمطر ‏{‏كَيْفَ يُحْىِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ أي يبسها بأن تنبت ‏{‏إِنَّ ذلك‏}‏ المحيي الأرض ‏{‏لَمُحْىِ الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنِ‏}‏ لام قسم ‏{‏أَرْسَلْنَا رِيحًا‏}‏ مضرّة على نبات ‏{‏فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ‏}‏ صاروا جواب القسم ‏{‏مِن بَعْدِهِ‏}‏ أي بعد اصفراره ‏{‏يَكْفُرُونَ‏}‏ يجحدون النعمة بالمطر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء إِذَا‏}‏ بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء ‏{‏وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أَنتَ بهاد العمى عَن ضلالتهم إِن‏}‏ ما ‏{‏تُسْمِعُ‏}‏ سماع إفهام وقبول ‏{‏إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بئاياتنا‏}‏ القرآن ‏{‏فَهُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ مخلصون بتوحيد الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ‏}‏ ماء مهين ‏{‏ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ‏}‏ آخر، وهو ضعف الطفولية ‏{‏قُوَّةً‏}‏ أي قوّة الشباب ‏{‏ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً‏}‏ ضعف الكبر وشيب الهرم والضعف في الثلاثة بضم أوّله وفتحه ‏{‏يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ‏}‏ من القوة والضعف والشباب والشيبة ‏{‏وَهُوَ العليم‏}‏ بتدبير خلقه ‏{‏القدير‏}‏ على ما يشاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ‏}‏ يحلف ‏{‏المجرمون‏}‏ الكافرون ‏{‏مَا لَبِثُواْ‏}‏ في القبور ‏{‏غَيْرَ سَاعَةٍ‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ‏}‏ يصرفون عن الحق ‏(‏البعث‏)‏ كما صرفوا عن الحق‏:‏ الصدق في مدة اللّبث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان‏}‏ من الملائكة وغيرهم ‏{‏لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله‏}‏ فيما كتبه في سابق علمه ‏{‏إلى يَوْمِ البعث فهذا يَوْمُ البعث‏}‏ الذي أنكرتموه ‏{‏ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ وقوعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ‏}‏ بالياء والتاء ‏{‏الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ‏}‏ في إنكارهم له ‏{‏وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏}‏ لا يطلب منهم العُتبى‏:‏ أي الرجوع إلى ما يرضي الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ضَرَبْنَا‏}‏ جعلنا ‏{‏لِلنَّاسِ فِى هذا القرءان مِن كُلِّ مَثَلٍ‏}‏ تنبيهاً لهم ‏{‏وَلَئِنِ‏}‏ لام قسم ‏{‏جِئْتَهُمْ‏}‏ يا محمد ‏{‏بِئَايَةٍ‏}‏ مثل العصا واليد لموسى ‏{‏لَّيَقُولَنَّ‏}‏ حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين ‏{‏الذين كَفَرُواْ‏}‏ منهم ‏{‏إِن‏}‏ ما ‏{‏أَنتُمْ‏}‏ أي محمد وأصحابه ‏{‏إِلاَّ مُبْطِلُونَ‏}‏ أصحاب أباطيل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ التوحيد كما طبع على قلوب هؤلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله‏}‏ بنصرك عليهم ‏{‏حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ‏}‏ بالبعث‏:‏ أي لا يحملنّك على الخفة والطيش بترك الصبر‏:‏ أي لا تتركنّه‏.‏

سورة لقمان

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الم‏}‏ الله أعلم بمراده به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ‏}‏ أي هذه الآيات ‏{‏ءَايَ اتالكتاب الحكيم‏}‏ القرآن ‏{‏الحكيم‏}‏ ذي الحكمة، والإِضافة بمعنى من‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

هو ‏{‏هُدًى وَرَحْمَةً‏}‏ بالرفع ‏{‏لِّلْمُحْسِنِينَ‏}‏ وفي قراءة العامّة بالنَّصْبِ حالاً من الآيات العامل فيها ما في ‏(‏تلك‏)‏ من معنى الإِشارة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يُقِيمُونَ الصلاة‏}‏ بيان للمحسنين ‏{‏وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُم بالأخرة هُمْ يُوقِنُونَ‏}‏ «هم» الثاني تأكيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون‏}‏ الفائزون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث‏}‏ أي ما يلهي منه عما يَعْنِي ‏{‏لِيُضِلَّ‏}‏ بفتح الياء وضمها ‏{‏عَن سَبِيلِ الله‏}‏ طريق الإِسلام ‏{‏بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا‏}‏ بالنصب عطفاً على يضل، وبالرفع عطفاً على يشتري ‏{‏هُزُواً‏}‏ مهزوءاً بها ‏{‏أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ذو إهانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا‏}‏ أي القرآن ‏{‏ولى مُسْتَكْبِراً‏}‏ متكبراً ‏{‏كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً‏}‏ صمماً، وجملتا التشبيه حالان من ضمير «ولَّى» أو الثانية بيان للأولى ‏{‏فَبَشِّرْهُ‏}‏ أعلمه ‏{‏بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ مؤلم، وذكر البشارة تهكم به وهو النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدّث بها أهل مكة ويقول‏:‏ إن محمداً يحدّثكم أحاديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم أحاديث فارس والروم، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات النعيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏خالدين فِيهَا‏}‏ حال مقدّرة أي مقدّراً خلودهم فيها إذا دخلوها ‏{‏وَعْدَ الله حَقّاً‏}‏ أي وعدهم ذلك وحقّه حقًّا ‏{‏وَهُوَ العزيز‏}‏ الذي لا يغلبه شيء فيمنعه من إنجاز وعده ووعيده ‏{‏الحكيم‏}‏ الذي لا يضع شيئاً إلا في محله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏خَلَقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا‏}‏ أي العَمَد جمع عماد وهو الأسطوانة، وهو صادق بأن لا عمد أصلاً ‏{‏وألقى فِى الأرض رَوَاسِىَ‏}‏ جبالاً مرتفعة ل ‏{‏أن‏}‏ لا ‏{‏تَمِيدَ‏}‏ تتحرّك ‏{‏بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا‏}‏ فيه التفات عن الغيبة ‏{‏مِنَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏}‏ صنف حسن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏هذا خَلْقُ الله‏}‏ أي مخلوقه ‏{‏فَأَرُونِى‏}‏ أخبروني يا أهل مكة ‏{‏مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ‏}‏ غيره أي‏:‏ آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى، وما استفهام إنكار مبتدأ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره، وأروني معلق عن العمل لفظاً، وما بعده سدَّ مسَدّ المفعولين ‏{‏بَلِ‏}‏ للانتقال ‏{‏الظالمون فِى ضلال مُّبِينٍ‏}‏ بيِّن بإشراكهم وأنتم منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة‏}‏ منها العلم والديانة والإِصابة في القول، وحِكَمُهُ كثيرة مأثورة كان يفتي قبل بعثة داود، وأدرك بعثته وأخذ عنه العلم وترك الفتيا، وقال في ذلك‏:‏ ألا أكتفي إذا كفيت، وقيل له‏:‏ أيّ الناس شرٌّ‏؟‏ قال‏:‏ الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئاً ‏{‏أن‏}‏ أي وقلنا له أن ‏{‏اشكر لِلَّهِ‏}‏ على ما أعطاك من الحكمة ‏{‏وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ‏}‏ لأن ثواب شكره له ‏{‏وَمَن كَفَرَ‏}‏ النعمة ‏{‏فَإِنَّ الله غَنِىٌّ‏}‏ عن خلقه ‏{‏حَمِيدٌ‏}‏ محمود في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بَنِى‏}‏ تصغير إشفاق ‏{‏لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك‏}‏ بالله ‏{‏لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏ فرجع إليَه وأَسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه‏}‏ أمرناه أن يبرّهما ‏{‏حَمَلَتْهُ أُمُّهُ‏}‏ فوهنت ‏{‏وَهْناً على وَهْنٍ‏}‏ أي ضعفت للحمل وضعفت للطلق وضعفت للولادة ‏{‏وفصاله‏}‏ أي فطامه ‏{‏فِى عَامَيْنِ‏}‏ وقلنا له ‏{‏أَنِ اشكر لِى ولوالديك إِلَىَّ المصير‏}‏ أي المرجع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ موافقة للواقع ‏{‏فَلاَ تُطِعْهُمَا وصاحبهما فِى الدنيا مَعْرُوفاً‏}‏ أي بالمعروف‏:‏ البرّ والصلة ‏{‏واتبع سَبِيلَ‏}‏ طريق ‏{‏مَنْ أَنَابَ‏}‏ رجع ‏{‏إِلَىَّ‏}‏ بالطاعة ‏{‏ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ فأجازيكم عليه وجملة الوصية وما بعدها اعتراض‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏يابنى إِنَّهَا‏}‏ أي الخصلة السيئة ‏{‏إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السموات أَوْ فِى الأرض‏}‏ أي في أخفى مكان من ذلك ‏{‏يَأْتِ بِهَا الله‏}‏ فيحاسب عليها ‏{‏إِنَّ الله لَطِيفٌ‏}‏ باستخراجها ‏{‏خَبِيرٌ‏}‏ بمكانها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏يابنى أَقِمِ الصلاة وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر واصبر على مآ أَصَابَكَ‏}‏ بسبب الأمر والنهي ‏{‏إِنَّ ذلك‏}‏ المذكور ‏{‏مِنْ عَزْمِ الأمور‏}‏ أي معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تُصَعِّرْ‏}‏ وفي قراءة تُصَاعِرْ ‏{‏خَدَّكَ لِلنَّاسِ‏}‏ لا تُمِلْ وجهك عنهم متكبراً ‏{‏وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا‏}‏ أي خيلاء ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ‏}‏ متبختر في مشيه ‏{‏فَخُورٍ‏}‏ على الناس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏واقصد فِى مَشْيِكَ‏}‏ توسط فيه بين الدبيب والإِسراع، وعليك السكينة والوقار ‏{‏واغضض‏}‏ اخفض ‏{‏مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصوات‏}‏ أقبحها ‏{‏لَصَوْتُ الحمير‏}‏ أوّله زفير وآخره شهيق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَوْاْ‏}‏ تعلموا يا مخاطبين ‏{‏أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السموات‏}‏ من الشمس والقمر والنجوم لتنتفعوا بها ‏{‏وَمَا فِى الأرض‏}‏ من الثمار والأنهار والدواب ‏{‏وَأَسْبَغَ‏}‏ أوسع وَأَتَمَّ ‏{‏عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة‏}‏ وهي حُسن الصورة وتسوية الأعضاء وغير ذلك ‏{‏وَبَاطِنَةً‏}‏ هي المعرفة وغيرها‏.‏ ‏{‏وَمِنَ الناس‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى‏}‏ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ‏}‏ أنزله الله، بل بالتقليد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَ‏}‏ يتبعونه ‏{‏وَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير‏}‏ أي موجباته‏؟‏ لا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله‏}‏ أي يُقْبل على طاعته ‏{‏وَهُوَ مُحْسِنٌ‏}‏ موحِّد ‏{‏فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى‏}‏ بالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ‏{‏وإلى الله عاقبة الأمور‏}‏ مرجعها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏كُفْرُهُ‏}‏ لا تهتم بكفره ‏{‏إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور‏}‏ أي بما فيها كغيره فمجاز عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏نُمَتِّعُهُمْ‏}‏ في الدنيا ‏{‏قَلِيلاً‏}‏ أيام حياتهم ‏{‏ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ‏}‏ في الآخرة ‏{‏إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ‏}‏ وهو عذاب النار لا يجدون عنه محيصاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِن‏}‏ لام قسم ‏{‏سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله‏}‏ حذف منه نون الرفع لتوالي الأمثال وَواوُ الضمير لالتقاء الساكنين ‏{‏قُلِ الحمد لِلَّهِ‏}‏ على ظهور الحجة عليهم بالتوحيد ‏{‏بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ وجوبه عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏للَّهِ مَا فِى السموات والأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً فلا يستحق العبادة فيهما غيره ‏{‏إِنَّ الله هُوَ الغنى‏}‏ عن خلقه ‏{‏الحميد‏}‏ المحمود في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرض * مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر‏}‏ عطف على اسم أن ‏{‏يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ‏}‏ مداداً ‏{‏مَّا نَفِدَتْ كلمات الله‏}‏ المعبر بها عن معلوماته بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ولو بأكثر من ذلك لأن معلوماته تعالى غير متناهية ‏{‏إنَّ الله عَزِيزٌ‏}‏ لا يعجزه شيء ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ لا يخرج شيء عن علمه وحكمته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة‏}‏ خلقاً وبعثاً لأنه بكلمة ‏(‏كن‏)‏ فيكون ‏{‏إِنَّ الله سَمِيعٌ‏}‏ يسمع كل مسموع ‏{‏بَصِيرٌ‏}‏ يبصر كل مُبْصَر لا يشغله شيء عن شيء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تعلم يا مخاطب ‏{‏أَنَّ الله يُولِجُ‏}‏ يدخل ‏{‏اليل فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ‏}‏ يدخله ‏{‏وَلَهُ مَا‏}‏ فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ‏{‏وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ‏}‏ منهما ‏{‏يَجْرِى‏}‏ في فلكه ‏{‏إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى‏}‏ هو يوم القيامة ‏{‏وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ المذكور ‏{‏بِأَنَّ الله هُوَ الحق‏}‏ الثابت ‏{‏وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ‏}‏ بالياء والتاء يعبدون ‏{‏مِن دُونِهِ الباطل‏}‏ الزائل ‏{‏وَأَنَّ الله هُوَ العلى‏}‏ على خلقه بالقهر ‏{‏الكبير‏}‏ العظيم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك‏}‏ السفن ‏{‏تَجْرِى فِى البحر بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ‏}‏ يا مخاطبين بذلك ‏{‏مِّنْ ءاياته إِنَّ فِى ذَلِكَ لايات‏}‏ عبراً ‏{‏لّكُلِّ صَبَّارٍ‏}‏ عن معاصي الله ‏{‏شَكُورٍ‏}‏ لنعمته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا غَشِيَهُمْ‏}‏ أي علا الكفار ‏{‏مَّوْجٌ كالظلل‏}‏ كالجبال التي تُظل من تحتها ‏{‏دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين‏}‏ أي الدعاء بأن ينجيهم أي لا يدعون معه غيره ‏{‏فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ‏}‏ متوسط بين الكفر والإِيمان ومنهم باق على كفره ‏{‏وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنآ‏}‏ ومنها الإِنجاء من الموج ‏{‏إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ‏}‏ غدار ‏{‏كَفُورٍ‏}‏ لنعم الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الناس‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِى‏}‏ يغني ‏{‏وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ‏}‏ فيه شيئاً ‏{‏وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ‏}‏ فيه ‏{‏شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ‏}‏ بالبعث ‏{‏فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا‏}‏ عن الإِسلام ‏{‏وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله‏}‏ في حلمه وإمهاله ‏{‏الغرور‏}‏ الشيطان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ متى تقوم ‏{‏وَيُنَزِّلُ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏الغيث‏}‏ بوقت يعلمه وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ أذكر أم أنثى ولا يعلم واحدا من الثلاثة غير الله تعالى ‏{‏وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً‏}‏ من خير أو شر ويعلمه الله تعالى ‏{‏وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏}‏ ويعلمه الله تعالى ‏{‏إِنَّ الله عَلِيمٌ‏}‏ بكل شيء ‏{‏خَبِيرٌ‏}‏ بباطنه كظاهره روى البخاري عن ابن عمر حديث مفاتح الغيب خمسة أن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة‏.‏

سورة السجدة

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ‏}‏ الله أعلم بمراده به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏تَنزِيلُ الكتاب‏}‏ القرآن مبتدأ ‏{‏لاَ رَيْبَ‏}‏ شك ‏{‏فِيهِ‏}‏ خبر أول ‏{‏مِن رَّبِّ العالمين‏}‏ خبر ثان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ‏}‏ بل ‏{‏يَقُولُونَ افتراه‏}‏ محمد‏؟‏ لا ‏{‏بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ‏}‏ به ‏{‏قَوْماً مّآ‏}‏ نافية ‏{‏أتاهم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏ بإنذارك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الله الذى خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ أولها الأحد وآخرها الجمعة ‏{‏ثُمَّ استوى عَلَى العرش‏}‏ وهو في اللغة سرير الملك استواء يليق به ‏{‏مَا لَكُمْ‏}‏ يا كفار مكة ‏{‏مِن دُونِهِ‏}‏ أي غيره ‏{‏مِن وَلِىٍّ‏}‏ اسم ‏(‏ما‏)‏ بزيادة ‏(‏من‏)‏ أي‏:‏ ناصر ‏{‏وَلاَ شَفِيعٍ‏}‏ يدفع عذابه عنكم ‏{‏أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ‏}‏ هذا فتؤمنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏يُدَبِّرُ الامر مِنَ السمآء إِلَى الأرض‏}‏ مدة الدنيا ‏{‏ثُمَّ يَعْرُجُ‏}‏ يرجع الأمر والتدبير ‏{‏إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ في الدنيا وفي سورة سأل ‏{‏خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ ‏[‏4‏:‏ 70‏]‏ وهو يوم القيامة لشدة أهواله بالنسبة إلى الكافر، وأما المؤمن فيكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ الخالق المدَبِّر ‏{‏عالم الغيب والشهادة‏}‏ أي ما غاب عن الخلق وما حضر ‏{‏العزيز‏}‏ المنيع في ملكه ‏{‏الرحيم‏}‏ بأهل طاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَئ خَلَقَهُ‏}‏ بفتح اللام فعلاً ماضياً صفة، ل ‏(‏شيء‏)‏ وبسكونها بدل اشتمال ‏{‏وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان‏}‏ آدم ‏{‏مِن طِينٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ‏}‏ ذريته ‏{‏مِن سلالة‏}‏ علقة ‏{‏مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ‏}‏ ضعيف هو النطفة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ سَوَّاهُ‏}‏ أي خلق آدم ‏{‏وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ‏}‏ أي جعله حياً حساساً بعد أن كان جماداً ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمُ‏}‏ أي لذريته ‏{‏السمع‏}‏ بمعنى الأسماع ‏{‏والأبصار والأفئدة‏}‏ القلوب ‏{‏قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ‏}‏ ما زائدة مؤكدة للقلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ أي منكرو البعث ‏{‏أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الأرض‏}‏ غبنا فيها بأن صرنا تراباً مختلطاً بترابها ‏{‏أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ‏}‏‏؟‏ استفهام إنكاري بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين، قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ‏}‏ بالبعث‏.‏ ‏{‏كافرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏يتوفاكم مَّلَكُ الموت الذى وُكِّلَ بِكُمْ‏}‏ أي بقبض أرواحكم ‏{‏ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ‏}‏ أحياء فيجازيكم بأعمالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون‏}‏ الكافرون ‏{‏نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏ مطأطئوها حياء يقولون ‏{‏رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا‏}‏ ما أنكرنا من البعث ‏{‏وَسَمِعْنَا‏}‏ منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه ‏{‏فارجعنا‏}‏ إلى الدنيا ‏{‏نَعْمَلْ صالحا‏}‏ فيها ‏{‏إِنَّا مُوقِنُونَ‏}‏ الآن فما ينفعهم ذلك ولا يرجعون، وجواب لو لرأيت أمراً فظيعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا‏}‏ فتهتدي بالإِيمان والطاعة باختيار منها ‏{‏ولكن حَقَّ القول مِنِّى‏}‏ وهو ‏{‏لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة‏}‏ الجنّ ‏{‏والناس أَجْمَعِينَ‏}‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

وتقول لهم الخَزَنَةُ إذا دخلوها‏:‏ ‏{‏فَذُوقُواْ‏}‏ العذاب ‏{‏بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ‏}‏ أي بترككم الإِيمان به ‏{‏إِنَّا نسيناكم‏}‏ تركناكم في العذاب ‏{‏وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد‏}‏ الدائم ‏{‏بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ من الكفر والتكذيب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئاياتنا‏}‏ القرآن ‏{‏الذين إِذَا ذُكِّرُواْ‏}‏ وعُظوا ‏{‏بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ‏}‏ متلبسين ‏{‏بِحَمْدِ رَبِّهِمْ‏}‏ أي قالوا‏:‏ سبحان الله وبحمده ‏{‏وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ عن الإيمان والطاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏تتجافى جُنُوبُهُمْ‏}‏ ترتفع ‏{‏عَنِ المضاجع‏}‏ مواضع الاضطجاع بفُرُشِها لصلاتهم بالليل تهجداً ‏{‏يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً‏}‏ من عقابه ‏{‏وَطَمَعًا‏}‏ في رحمته ‏{‏وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ‏}‏ يتصدقون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ‏}‏ خُبِّئ ‏{‏لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ‏}‏ ما تقرّ به أعينهم‏.‏ وفي قراءة بسكون الياء مضارع ‏{‏جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُنَ‏}‏ أي المؤمنون والفاسقون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏أَمَّا الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جنات المأوى نُزُلاً‏}‏ هو ما يعدّ للضيف ‏{‏بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ‏}‏ بالكفر والتكذيب ‏{‏فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى‏}‏ عذاب الدنيا بالقتل والأسر والجدب سنين والأمراض ‏{‏دُونَ‏}‏ قبل ‏{‏العذاب الاكبر‏}‏ عذاب الآخرة ‏{‏لَعَلَّهُمْ‏}‏ أي من بقي منهم ‏{‏يَرْجِعُونَ‏}‏ إلى الإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بئايات رَبِّهِ‏}‏ القرآن ‏{‏ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ‏}‏ أي لا أحد أظلم منه ‏{‏إِنَّا مِنَ المجرمين‏}‏ أي المشركين ‏{‏مُنتَقِمُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسىلكتاب‏}‏ التوراة ‏{‏فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ‏}‏ شك ‏{‏مِّن لِّقَآئِهِ‏}‏ وقد التقيا ليلة الإِسراء ‏{‏وجعلناه‏}‏ أي موسى أو الكتاب ‏{‏هُدًى‏}‏ هادياً ‏{‏لِّبَنِى إسراءيل‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً‏}‏ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء‏:‏ قادة ‏{‏يَهْدُونَ‏}‏ الناس ‏{‏بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ‏}‏ على دينهم، وعلى البلاء من عدوّهم وفي قراءة بكسر اللام وتخفيف الميم ‏{‏وَكَانُواْ بئاياتنا‏}‏ الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ‏{‏يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ من أمر الدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ أي يتبين لكفار مكة إهلاكنا كثيراً ‏{‏مّنَ القرون‏}‏ الأمم بكفرهم ‏{‏يَمْشُونَ‏}‏ حال من ضمير «لهم» ‏{‏فِى مساكنهم‏}‏ في أسفارهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ‏}‏ دلالات على قدرتنا ‏{‏أَفَلاَ يَسْمَعُونَ‏}‏ سماع تدبر واتعاظ‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز‏}‏، اليابسة التي لا نبات فيها ‏{‏فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أنعامهم وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ‏}‏ هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ للمؤمنين ‏{‏متى هذا الفتح‏}‏ بيننا وبينكم ‏{‏إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ يَوْمَ الفتح‏}‏ بإنزال العذاب بهم ‏{‏لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُواْ إيمانهم وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ‏}‏ يمهلون لتوبة أو معذرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وانتظر‏}‏ إنزال العذاب بهم ‏{‏إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ‏}‏ بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك، وهذا قبل الأمر بقتالهم‏.‏

سورة الأحزاب

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى اتق الله‏}‏ دُمْ على تقواه ‏{‏وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين‏}‏ فيما يخالف شريعتك ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً‏}‏ بما يكون قبل كونه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ فيما يخلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ‏}‏ أي القرآن ‏{‏إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً‏}‏ وفي قراءة ‏(‏يعملون‏)‏ بالتحتانية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الله‏}‏ في أمرك ‏{‏وكفى بالله وَكِيلاً‏}‏ حافظاً لك‏.‏ وأمته تبع له في ذلك كله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ‏}‏ ردّاً على من قال من الكفار‏:‏ إن له قلبين يعقل بكل منهما أفضل من عقل محمد ‏{‏وَمَا جَعَلَ أزواجكم الائ‏}‏ بهمزة وياء وبلا ياء ‏{‏تَظَهَّرُونَ‏}‏ بلا ألف قبل الهاء وبها، والتاء الثانية في الأصل مدغمة في الظاء ‏{‏مِنْهُنَّ‏}‏ يقول الواحد مثلاً لزوجته‏:‏ أنت عليّ كظهر أمي ‏{‏أمهاتكم‏}‏ أي كالأمهات في تحريمها بذلك المعدّ في الجاهلية طلاقاً، وإنما تجب به الكفارة بشرطه كما ذكر في سورة ‏(‏المجادلة‏)‏ ‏[‏2‏:‏ 58-4‏]‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ‏}‏ جمع دعيّ وهو من يدعى لغير أبيه ابنا له ‏{‏أَبْنَاءكُمْ‏}‏ حقيقة ‏{‏ذلكم قَوْلُكُم بأفواهكم‏}‏ أي اليهود والمنافقين لما قالوا لما تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش التي كانت امرأة زيد بن حارثة الذي تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا تزوّج محمد امرأة ابنه، فأكذبهم الله تعالى في ذلك ‏{‏والله يَقُولُ الحق‏}‏ في ذلك ‏{‏وَهُوَ يَهْدِى السبيل‏}‏ سبيل الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏ادعوهم لأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ‏}‏ أعدل ‏{‏عِندَ الله فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدين ومواليكم‏}‏ بنو عمكم ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ في ذلك ‏{‏ولكن‏}‏ في ‏{‏مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ فيه وهو بعد النهي ‏{‏وَكَانَ الله غَفُوراً‏}‏ لما كان من قولكم قبل النهي ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بكم في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه ‏{‏وأزواجه أمهاتهم‏}‏ في حرمة نكاحهن ‏{‏وَأُوْلُواْ الأرحام‏}‏ ذوو القرابات ‏{‏بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ‏}‏ في الإِرث ‏{‏فِى كتاب الله مِنَ المؤمنين والمهاجرين‏}‏ أي من الإِرث بالإِيمان والهجرة الذي كان أول الإسلام فنسخ ‏{‏إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً‏}‏ بوصية فجائز ‏{‏كَانَ ذَلِكَ‏}‏ أي نسخ الإرث بالإِيمان والهجرة بإرث ذوي الأرحام ‏{‏فِى الكتاب مَسْطُورًا‏}‏ وأريد بالكتاب في الموضعين اللّوح المحفوظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏إِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ‏}‏ حين أُخرجوا من صلب آدم، كالذّرّ جمع ذَرَّة‏:‏ وهي أصغر النمل ‏{‏وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ‏}‏ بأن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته، وذكر الخمسة من عطف الخاص على العام ‏{‏وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً‏}‏ شديداً بالوفاء بما حُمِّلُوهُ وهو اليمين بالله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

، ثم أخذ الميثاق ‏{‏لِيَسْأَلَ‏}‏ الله ‏{‏الصادقين عَن صِدْقِهِمْ‏}‏ في تبليغ الرسالة تبكيتاً للكافرين بهم ‏{‏وَأَعَدَّ‏}‏ تعالى ‏{‏للكافرين‏}‏ بهم ‏{‏عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ مؤلماً هو عطف على أخذنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏أَلِيماً ياأيها الذين ءَامَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ‏}‏ من الكفار متحزبون أيام حفر الخندق ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا‏}‏ من الملائكة ‏{‏وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ بالتاء من حفر الخندق، و‏(‏يعملون‏)‏ بالياء من تحزيب المشركين ‏{‏بَصِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ‏}‏ من أعلى الوادي وأسفله من المشرق والمغرب ‏{‏وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار‏}‏ مالت عن كل شيء إلى عدوّها من كل جانب ‏{‏وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر‏}‏ جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم من شدّة الخوف ‏{‏وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا‏}‏ المختلفة بالنصر واليأس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏هُنَالِكَ ابتلى المؤمنون‏}‏ اختُبروا ليتبين المخلص من غيره ‏{‏وَزُلْزِلُواْ‏}‏ حُرِّكوا ‏{‏زِلْزَالاً شَدِيداً‏}‏ من شدّة الخوف والفزع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذْكر ‏{‏إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ‏}‏ ضعف اعتقاد ‏{‏مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ‏}‏ بالنصر ‏{‏إِلاَّ غُرُوراً‏}‏ باطلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ‏}‏ أي المنافقين ‏{‏مّنْهُمْ ياأهل يَثْرِبَ‏}‏ هي أرض المدينة، ولم تصرف للعلمية ووزن الفعل ‏{‏لاَ مُقَامَ لَكُمْ‏}‏ بضم الميم وفتحها‏:‏ أي لا إقامة ولا مكانة ‏{‏فارجعوا‏}‏ إلى منازلكم من المدينة وكانوا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلع جبل خارج المدينة للقتال ‏{‏وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبى‏}‏ في الرجوع ‏{‏يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ غير حصينة يخشى عليها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن‏}‏ ما ‏{‏يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً‏}‏ من القتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ دُخِلَتْ‏}‏ أي المدينة ‏{‏عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا‏}‏ نواحيها ‏{‏ثُمَّ سُئِلُواْ‏}‏ أي سألهم الداخلون ‏{‏الفتنة‏}‏ الشرك ‏{‏لأَتَوْهَا‏}‏ بالمدّ والقصر‏:‏ أي أعطوها وفعلوها ‏{‏وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار وَكَانَ عَهْدُ الله مَسئُولاً‏}‏ عن الوفاء به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذاً‏}‏ إن فررتم ‏{‏لاَّ تُمَتَّعُونَ‏}‏ في الدنيا بعد فراركم ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ بقية آجالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ مَن ذَا الذى يَعْصِمُكُمْ‏}‏ يجيركم ‏{‏مِّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً‏}‏ هلاكاً وهزيمة ‏{‏أَوْ‏}‏ يصيبكم بسوء إن ‏{‏أَرَادَ‏}‏ الله ‏{‏بِكُمْ رَحْمَةً‏}‏ خيراً ‏{‏وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏وَلِيّاً‏}‏ ينفعهم ‏{‏وَلاَ نَصِيراً‏}‏ يدفع الضُّرَّ عنهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين‏}‏ المثبّطين ‏{‏مِنكُمْ والقآئلين لإخوانهم هَلُمَّ‏}‏ تعالَوا ‏{‏إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البأس‏}‏ القتال ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ رياء وسمعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ بالمعاونة جمع شحيح‏:‏ وهو حال من ضمير «يأتون» ‏{‏فَإِذَا جَآءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كالذى‏}‏ كنظر أو كدوران الذي ‏{‏يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت‏}‏ أي سكراته ‏{‏فَإِذَا ذَهَبَ الخوف‏}‏ وحيزت الغنائم ‏{‏سَلَقُوكُم‏}‏ آذوكم أو ضربوكم ‏{‏بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخير‏}‏ أي الغنيمة يطلبونها ‏{‏أولئك لَمْ يُؤْمِنُواْ‏}‏ حقيقة ‏{‏فَأَحْبَطَ الله أعمالهم وَكَانَ ذلك‏}‏ الإِحباط ‏{‏عَلَى الله يَسِيراً‏}‏ بإرادته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْسَبُونَ الأحزاب‏}‏ من الكفار ‏{‏لَّمْ يَذْهَبُواْ‏}‏ إلى مكة لخوفهم منهم ‏{‏وَإِن يَأْتِ الأحزاب‏}‏ كرّة أخرى ‏{‏يَوَدُّواْ‏}‏ يتمنوا ‏{‏لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأعراب‏}‏ أي كائنون في البادية ‏{‏يَسْئَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ‏}‏ أخباركم مع الكفار ‏{‏وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ‏}‏ هذه الكرّة ‏{‏مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ رياء وخوفاً من التعيير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ‏}‏ بكسر الهمزة وضمها ‏{‏حَسَنَةٌ‏}‏ اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه ‏{‏لِمَنْ‏}‏ بدل من ‏{‏كَانَ يَرْجُواْ الله‏}‏ يخافه ‏{‏واليوم الأخر وَذَكَرَ الله كَثِيراً‏}‏ بخلاف من ليس كذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا رَءَا المؤمنون الأحزاب‏}‏ من الكفار ‏{‏قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ‏}‏ من الابتلاء والنصر ‏{‏وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ‏}‏ في الوعد ‏{‏وَمَا زَادَهُمْ‏}‏ ذلك ‏{‏إِلاَّ إِيمَانًا‏}‏ تصديقاً بوعد الله ‏{‏وَتَسْلِيماً‏}‏ لأمره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ‏}‏ من الثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ‏}‏ مات أو قُتل في سبيل الله ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ‏}‏ ذلك ‏{‏وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً‏}‏ في العهد، وهم بخلاف حال المنافقين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏لِّيَجْزِىَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ‏}‏ بأن يميتهم على نفاقهم ‏{‏أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً‏}‏ لمن تاب ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ‏}‏ أي الأحزاب ‏{‏بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً‏}‏ مرادهم من الظفر بالمؤمنين ‏{‏وَكَفَى الله المؤمنين القتال‏}‏ بالريح والملائكة ‏{‏وَكَانَ الله قَوِيّاً‏}‏ على إيجاد ما يريده ‏{‏عَزِيزاً‏}‏ غالباً على أمره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم مّنْ أَهْلِ الكتاب‏}‏ أي قريظة ‏{‏مِن صَيَاصِيهِمْ‏}‏ حصونهم، جمع صيصة وهو ما يُتحصن به ‏{‏وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرعب‏}‏ الخوف ‏{‏فَرِيقاً تَقْتُلُونَ‏}‏ منهم وهم المقاتلة ‏{‏وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً‏}‏ منهم‏:‏ أي الذراري‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وديارهم وأموالهم وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوها‏}‏ بعد وهي خيبر‏:‏ أُخذت بعد قريظة ‏{‏تَطَئُوهَا وَكَانَ الله على كُلِّ شَئ قَدِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى قُل لأزواجك‏}‏ وهُنَّ تسع وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده ‏{‏إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ‏}‏ أي متعة الطلاق ‏{‏وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ أطلقكنّ من غير ضرار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الأخرة‏}‏ أي الجنة ‏{‏فَإِنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات مِنكُنَّ‏}‏ بإرادة الآخرة ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏ أي الجنة، فاخترن الآخِرَة على الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏يانسآء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة مُّبَيِّنَةٍ‏}‏ بفتح الياء وكسرها‏:‏ أي بُيِّنَتْ، أو هي بينة ‏{‏يضاعف‏}‏ وفي قراءة «يضعَّف» بالتشديد، وفي أخرى «نُضَعِّف» بالنون معه ونصب العذاب ‏{‏لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ‏}‏ ضعفي عذاب غيرهنّ‏:‏ أي مثليه ‏{‏وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَقْنُتْ‏}‏ يطع ‏{‏مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالحا نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ‏}‏ أي مثلَيْ ثواب غيرهنّ من النساء، وفي قراءة بالتحتانية في تعمل ونؤتها ‏{‏وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً‏}‏ في الجنة زيادة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏يانسآء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ‏}‏ كجماعة ‏{‏مِّنَ النسآء إِنِ اتقيتن‏}‏ الله فإنكنّ أعظم ‏{‏فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول‏}‏ للرجال ‏{‏فَيَطْمَعَ الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ‏}‏ نفاق ‏{‏وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏ من غير خضوع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَرْنَ‏}‏ بكسر القاف وفتحها ‏{‏فِى بُيُوتِكُنَّ‏}‏ من القرار، وأصله‏:‏ اقررن، بكسر الراء وفتحها من قررت بفتح الراء وكسرها، نقلت حركة الراء إلى القاف وحذفت مع همزة الوصل ‏{‏وَلاَ تَبَرَّجْنَ‏}‏ بترك إحدى التاءين من أصله ‏{‏تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى‏}‏ أي ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال، والإِظهار بعد الإِسلام مذكور في آية ‏{‏وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ ‏[‏24‏:‏ 31‏]‏ ‏{‏وَأَقِمْنَ الصلاة وَءَاتِينَ الزكواة وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنِّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرجس‏}‏ الإِثم يا ‏{‏أَهْلَ البيت‏}‏ أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَيُطَهِّرَكُمْ‏}‏ منه ‏{‏تَطْهِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏واذكرن مَا يتلى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايات الله‏}‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ السنة ‏{‏إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً‏}‏ ‏{‏خَبِيراً‏}‏ بجميع خلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات‏}‏ المطيعات ‏{‏والصادقين والصادقات‏}‏ في الإِيمان ‏{‏والصابرين والصابرات‏}‏ على الطاعات ‏{‏والخاشعين‏}‏ المتواضعين ‏{‏والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات‏}‏ عن الحرام ‏{‏والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً‏}‏ للمعاصي ‏{‏وَأَجْراً عَظِيماً‏}‏ على الطاعات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن * تَكُونُ‏}‏ بالتاء والياء ‏{‏لَهُمُ الخيرة‏}‏ أي الاختيار ‏{‏مِنْ أَمْرِهِمْ‏}‏ خلاف أمر الله ورسوله‏:‏ نزلت في عبد الله ابن جحش وأخته زينب، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فكرها ذلك حين علما لظنّهما قبلُ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خطبها لنفسه، ثم رضيا للآية ‏{‏وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُّبِيناً‏}‏ بيِّنا، فزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد، ثم وقع بصره عليها بعد حين فوقع في نفسه حبها وفي نفس زيد كراهتها، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أُريد فراقها فقال‏:‏ «أمسك عليك زوجك» كما قال تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذْ‏}‏ منصوب ب«اذكر» ‏{‏تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ‏}‏ بالإِسلام ‏{‏وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ‏}‏ بالإِعتاق‏:‏ وهو زيد بن حارثة، كان من سبي الجاهلية، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه ‏{‏أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله‏}‏ في أمر طلاقها ‏{‏وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ‏}‏ مظهره من محبتها وأن لو فارقها زيد تزوّجتها ‏{‏وَتَخْشَى الناس‏}‏ أن يقولوا تَزَوَّج زوجة ابنه ‏{‏والله أَحَقُّ أَن تخشاه‏}‏ في كل شيء وتزوّجها ولا عليك من قول الناس، ثم طلقها زيد وانقضت عدّتها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً‏}‏ حاجة ‏{‏زوجناكها‏}‏ فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن وأشبع المسلمين خبزاً ولحماً ‏{‏لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله‏}‏ مقضيُّه ‏{‏مَفْعُولاً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ‏}‏ أحلّ ‏{‏الله لَهُ سُنَّةَ الله‏}‏ أي كسنة الله، فَنُصِبَ بنزع الخافض ‏{‏فِى الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ‏}‏ من الأنبياء أن لا حرج عليهم في ذلك توسعة لهم في النكاح ‏{‏وَكَانَ أَمْرُ الله‏}‏ فعله ‏{‏قَدَراً مَّقْدُوراً‏}‏ مقضياً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ نعت للذين قبله ‏{‏يُبَلِّغُونَ رسالات الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله‏}‏ فلا يخشون مقالة الناس فيما أحل الله لهم ‏{‏وكفى بالله حَسِيباً‏}‏ حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ‏}‏ فليس أبا زيد أي والده فلا يحرم عليه التزوّج بزوجته زينب ‏{‏ولكن‏}‏ كان ‏{‏رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين‏}‏ فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبياً‏.‏ وفي قراءة بفتح التاء كآلة الختم‏:‏ أي به ختموا ‏{‏وَكَانَ الله بِكُلِّ شَئ عَلِيماً‏}‏ منه بأن لا نبيّ بعده، وإذا نزل السيد عيسى يحكم بشريعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً‏}‏ أوّل النهار وآخره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ‏}‏ أي يرحمكم ‏{‏وملائكته‏}‏ أي يستغفرون لكم ‏{‏لِيُخْرِجَكُمْ‏}‏ ليديم إخراجه إياكم ‏{‏مِنَ الظلمات‏}‏ أي الكفر ‏{‏إِلَى النور‏}‏ أي الإِيمان ‏{‏وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏تَحِيَّتُهُمْ‏}‏ منه تعالى ‏{‏يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام‏}‏ بلسان الملائكة ‏{‏وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى إِنَّآ أرسلناك شَاهِداً‏}‏ على من أُرسلت إليهم ‏{‏وَمُبَشِّراً‏}‏ من صدّقك بالجنة ‏{‏وَنَذِيرًا‏}‏ منذراً من كذبك بالنار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وَدَاعِياً إِلَى الله‏}‏ إلى طاعته ‏{‏بِإِذْنِهِ‏}‏ بأمره ‏{‏وَسِرَاجاً مُّنِيراً‏}‏ أي مثله في الاهتداء به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين‏}‏ فيما يخالف شريعتك ‏{‏وَدَعْ‏}‏ اترك ‏{‏أَذَاهُمْ‏}‏ لا تجازِهم عليه إلى أن تُؤمر فيهم بأمر ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الله‏}‏ فهو كافيك ‏{‏وكفى بالله وَكِيلاً‏}‏ مفوّضاً إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ وفي قراءة «تمَاسُّوهنّ» أي تجامعوهنّ ‏{‏فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏ تحصونها بالأقراء وغيرها ‏{‏فَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ أعطوهن ما يستمتعن به، أي إن لم يسمّ لهن أصدقة وإلا فلهنّ نصف المسمى فقط، قاله ابن عباس، وعليه الشافعي ‏{‏وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ خلوا سبيلهنّ من غير إضرار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك الاتى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ‏}‏ مهورهنّ ‏{‏وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ‏}‏ من الكفار بالسبي كصفية وجويرية ‏{‏وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك الاتىهاجرن مَعَكَ‏}‏ بخلاف من لم يهاجرن ‏{‏وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا‏}‏ يطلب نكاحها بغير صداق ‏{‏خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين‏}‏ النكاح بلفظ الهبة من غير صداق ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ‏}‏ أي المؤمنين ‏{‏فِى أزواجهم‏}‏ من الأحكام بأن لا يزيدوا على أربع نسوة ولا يتزوّجُوا إلا بوليٍّ وشهود ومهر ‏{‏وَ‏}‏ في ‏{‏مَا مَلَكَتْ أيمانهم‏}‏ من الإِماءِ بشراء وغيره بأن تكون الأمَة ممن تحلُّ لمالكها، كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنيّة، وأن تستبرأ قبل الوطء ‏{‏لِّكَيْلاَ‏}‏ متعلق بما قبل ذلك ‏{‏يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ‏}‏ ضيق في النكاح ‏{‏وَكَانَ الله غَفُوراً‏}‏ فيما يعسر التحرُّز عنه ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بالتوسعة في ذلك‏.‏